العراق «عمق استراتيجي» للاقتصاد الأردني

عدنان كريمة
مع تراكم العجز المالي في موازناته عن الــسنوات الماضية، حتى موازنة العام المقبل، على رغـــم زيادة الإنتاج إلى نحو 3.7 مليون برميل يومياً، يتطلع العراق في خططه المسقبلية إلى مضاعفة الرقم ليصل إلى 8 ملايين برميل يومياً بين عامي 2020 و2030. ولتحقيق هذا الهدف يسعى إلى تطوير استثمارات الشركات العاملة حالياً، وهي من جنسيات مختلفة (أميركية، بريطانية، إيطالية، ماليزية، روسية وصينية)، وذلك بمـــوجب عقود تمت في جولات التراخيص المتتالية، خصوصاً أنها ملزمة باستثمار أموالها لرفع القدرة الإنتاجية في الحقول المنتجة والمستكشفة.
وبما أن العراق في حاجة إلى أن يوازي عمليتي الإنتاج والتسويق، إذ لا يمكن أن تكون هـــناك زيادة في الإنتاج مع قلة في منافذ التصدير إلى الخارج، لا سيما أن عمليتي نقل النفط الثابت والمتحرك، مهمتان في التسويق، وزيادتهما تعني زيادة في العائدات المالية، فإن العراق يعتزم مد شبكة خطوط أنابيب داخلية، لنقل المنتجات النفطية إلى كل أنحاء البلد، وخارجية لتصدير النفط الخام إلى الأسواق العالمية، لتكون هذه الشبكة بديلاً لعمليات النقل المكلفة والخطيرة التي تتم حالياً بالناقلات.
وتبرز في هذا المجال أهمية تنفيذ خط اًنابيب بين مدينة البصرة في العراق، وميناء العقبة في الأردن والتي وقع البلدان اتفاقيته في التاسع من نيسان (أبريل) 2013، على أن ينجز خلال ثلاث سنوات. ولكن حتى الآن لم يبدأ تنفيذه بسبب الأوضاع الأمنية، خصوصاً أن الخط سيمر داخل محافظة الأنبار التي كانت محتلة من قبل تنظيم «داعش». واتفق البلدان أخيراً على تسريع خطوات التنفيذ، وتوقع مسؤول عراقي إنجاز الإجراءات خلال الشهرين المقبلين حداً أقصى، للعمل على توقيع العقد النهائي.
ويمتد الخط على مسافة 1700 كيلومتر، وينفذ على مرحلتين، الأولى من البصرة إلى حديثة في غرب العراق، والثانية من الحدود العراقية إلى ميناء العقبة الأردني. وسينقل في الجزء الأول نحو 2.25 مليون برميل يومياً، ومنه يكمل الجزء الثاني بنقل مليون برميل، يستفيد الأردن من 150 الفاً منها، لتأمين حاجة مصفاته للانتاج المحلي، ويصدر 850 ألف برميل إلى الخارج. وتقدر كلفته بنحو 18 بليون دولار. ويوفر المشروع فرص عمل لأكثر من ألف مهندس وعامل داخل العراق، وأكثر من ثلاثة آلاف مهندس وعامل داخل الأردن، ويشكل بوابة جديدة لتصدير النفط العراقي إلى دول العالم. ومن المرتقب أن يقوم ائتلاف عالمي بقيادة شركة صينية لمجموعة شركات أجنبية من جنسيات مختلفة، بتنفيذ المشروع.
ووفقاً للاتفاق الأساسي، يتضمن المشروع إنشاء خط أنابيب للغاز لتشغيل محطات الضخ، إضافة إلى تزويد الأردن بما يحتاجه لتشغيل محطات توليد الكهرباء. لكن يبدو أن العراق صرف النظر عن هذا الخط لأسباب تتعلق بخفض التكاليف، وللإسراع بتنفيذ خط أنابيب النفط، وكلف مطور المشروع بالبحث عن بديل لمحطات الضخ عوضاً عن الغاز، وبما يتناسب مع جدواه الإقتصادية.
وبما أن الأردن يعاني من ضخامة كلفة الطاقة، والتي تستنزف نحو 40 في المئة من موازنة الدولة، وقد وصفها المسؤولون في عمان بـ «البلاء العظيم» لانعكاسها السلبي على الاقتصاد الوطني، كان يأمل بتأمين حاجته من الغاز من العراق، لكنه أصيب بخيبة أمل من قرار بغداد، ما يضطره إلى الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، وهو يستهلك حالياً نحو 350 مليون قدم مكعبة يومياً، لإنتاج ما يقارب 85 في المئة من حاجة البلاد من الكهرباء.
وسبق لشركة الكهرباء الأردنية (شركة مساهمة عامة)، أن وقعت عقداً مع كونسورتيوم تقوده شركة «نوبل أنرجي» الأميركية وشريكتها «ديليك» الإسرائيلية، لشراء 45 بليون متر مكعب من الغاز من حقل « ليفايثان» في البحر قبالة السواحل الفلسطينية، على مدى 15 سنة، بما قيمته نحو 10 بلايين دولار.
وكان أحد مبررات حكومة عمان للجوء إلى الغاز الإسرائيلي يدور حول مسألة انقطاع الغاز المصري، وتحول محطات توليد الكهرباء على الوقود الثقيل والسولار، ما نتج عنه خســائر تفوق خمسة بلايين دينار. غير أن تشغيل ميناء الشيخ صباح في العقبة (ميناء الغاز الطبيعي) منذ تموز (يوليو) الماضي وتوافر باخرة الغاز العائمة، وفر للأردن خيارات مــتنوعة.
وأظهرت دراسات أعدتها «الكهرباء الوطنية»، أن الغاز المستورد من إسرائيل يحقق وفراً لا يقل عن 300 مليون دولار سنوياً.
ولكن على رغم اعتماد الأردن على الغاز الإسرائيلي بـ «وساطة أميركية»، وعلى العراق لحاجته إلى النفط، فضلاً عن عائدات رسوم المرور، وكذلك بروز النتائج الإيجابية للعلاقات التجارية ونمو حركة الإستثمار بين البلدين، فإن رئيس الوزراء هاني الملقي يؤكد أن العراق هو «عمق استراتيجي» للاقتصاد الأردني، والثوابت تقوم على احترام سيادته ووحدة أراضيه وأمنه واستقراره.