“مانيفستو 2017”.. النظام البرلماني هو الانسب لاوضاعنا

د. عادل عبد المهدي
يذهب “مانيفستو 2017” الذي اعده رجال اصحاب تاريخ وخبرة الى خيار النظام الرئاسي. وانحزت في افتتاحية الامس لما ذهب اليه الدستور بمادته الاولى، ان “جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي..”. وذكرت ان هموم “كاتبي “المانيفستو” في “منح الدولة قوة ووحدة القرار” مشروعة.. لكن هذه نتيجة وليس سبباً بذاتها”.. وذكرت ان السبب ليست طبيعة النظام، بل عدم انجاز القوانين التي طالب بها الدستور لتفعيله وليتحول من وثيقة مبادىء لقوانين وتشريعات بديلة للقوانين والتشريعات النافذة اللادستورية التي ما زالت هي الاساس التي يتم العمل بموجبها. و”ان النظام البرلماني هو الممكن والانسب.. والا سيجد اعتراضاً بل ومقاطعة قد يعيد تعطيل الدولة بشكل اخر، مما يحجز الامور ابتداءاً”.
ذكرت ذلك وانا استذكر اول جلسات “مجلس الحكم” اواسط تموز 2003، لمناقشة رئاسة المجلس. هل ستكون فردية، ام جماعية؟ كان عدد اعضاء “المجلس” 25 عضواً.. ينقسمون مذهبياً ودينياً وقومياً وفكرياً حسب الطبيعة التعددية التي يتباهى بها الجميع لكنه يقفز عليها عند التطبيقات والوقائع، وكأن المشكلة هي في السياسة او النخبة او الاحزاب او الداخل والخارج او الفكر او النظم فقط، وليس في الاجتماع اساساً، فمنه البداية واليه النهاية.
كان للشيعة 13 عضواً وللعرب السنة 5 اعضاء ومثلها للكرد، ومقعد للتركمان، واخر للمسيحيين. ويمكن القول ان من اصل 13 عضواً شيعياً كان 6 منهم يحسبون على الجناح الاسلامي.. واسلامي واحد بين العرب السنة، واسلامي كردي، وكانت البقية قومية وليبرالية وشيوعية وعلمانية. تم الاختلاف على مبدأ القيادة الفردية او الجماعية. لم يصل الاجتماع لاتفاق فتقرر التصويت. فجاءت النتيجة 13 صوتاً لمصلحة القيادة الفردية. عندها وقف المرحوم الطالباني وحزم اوراقه وقال، اننا اتفقنا على مبدأ التوافق، فاذا كان الامر سيكون بالتصويت فقط، فلا مكان لنا، وبدأ بالخروج من القاعة. فأعيد بحث الموضوع وتم الاتفاق على مبدأ القيادة الجماعية. فطُرحت القيادة الثلاثية تشبهاً بمجلس السيادة بعد تموز 1958.. لم يلبِ المقترح التوازنات، اذ رفضه الشيعة لانه سيجعل منهم اقلية.. فدُرست فكرة الخماسية التي كان يميل اليها الشيعة، اي 3+1+1.. فرفضها العرب السنة والكرد.. كذلك رفض العرب السنة فكرة السباعية اي 4+2+1.. ولم يكن بالامكان الوصول الى اتفاق يضمن مطالب الجميع، او الاغلبية الفاعلة، وإن على مضض إلا مع مقترح التساعية، اي 5+2+2، وان تكون الرئاسة دورية كل شهر، وهو ما كان.
هذا سيناريو عملي لكل من يفكر –عن مشروعية وحق- بكتابة دستور جديد او اجراء تعديلات على النظام السياسي، شريطة اخد الوقائع بنظر الاعتبار لا التملص من السلبيات واقتراح الايجابيات فقط، او انكفاء كل مكون على مطاليبه وتغافل مطاليب الاخرين. فالدساتير والنظم السياسية كمخاضات الولادة، فيها التشنجات والانقباضات والآلام والدماء والعمليات القيصرية والوفاة والولادات الهجينة، وليس فيها اي جميل سوى صرخة الحياة للوليد الجديد. ففي نظام تعددي، ستكون العقدة دائماً في الميزان الدقيق بين متطلبات الوحدة الوطنية ومتطلبات الهويات الخاصة.. وان اية اساءة للمقادير، زيادة او نقصاناً، ستقود “1- لخيار علني او مبطن للقمع.. او 2- للتقسيم والانفصال الواقعي او السيادي، او 3- لنظام يعطل بعضه بعضاً، او خليطاً لذلك كله”. لذلك كتبت انه “للوصول الى “المواطنة” التي لا تمييز او اكراه فيها، يجب ان تشعر المكونات –فعلاً وليس افتراضاً- ان حقائقهم السكانية والجغرافية والحقوقية مضمونة، كل من زاويته، وبكل ابعادها واوزانها وفي مواقعها.. وبأن حقوق وثروات البلاد ليست حكراً لاحد.. فهذه القضايا وغيرها بُحثت عند اعداد دستور 2005.” وان المحاولات الاصلاحية والتجديدية يجب ان لا تكون عود على بدء، بل لتعزيز الايجابيات ونبذ السلبيات، والاستفادة من كامل التجربة بما لها وما عليها.