دعوة لحملة “براءات فلسطينية”

تميم البرغوثي
سقطت عملية السلام حتى بمنطق المدافعين عنها، فقد كان منطق هؤلاء هو أن تنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن حق الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ سيقابله ضغط أمريكي على إسرائيل يؤدي إلى انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام ١٩٦٧. وكان المدافعون عن هذه “الصفقة” يزعمون أن قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات ستحل أيضا في مرحلة المفاوضات النهائية، وألا تنازلَ عنها، وما برح الخطاب الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية يشير إلى أن غاية المفاوضات هو “رفع شبل من أشبال فلسطين أو زهرة من زهراتها علم فلسطين على أسوار القدس، وقبابها ومآذنها وكنائسها”.
أما وقد أعلن الرئيس الأمريكي عما كان يعرفه أكثر الفلسطينيين وغير الفلسطينيين ممن لم يصدقوا هذا المنطق، وأكد على تطابق موقف الولايات المتحدة مع الموقف الإسرائيلي بشأن مدينة القدس، واعترف بها عاصمة أبدية لإسرائيل، فإنه من المستحيل أن يقنع الداعون إلى عملية السلام التي يرعاها الأمريكيون، بقية الشعب الفلسطيني بأنها يمكن أن تعيد لهم القدس. كذلك لا يمكن أن تعيد القدس عملية سلام يرعاها غير الأمريكيين، فلا الاتحاد الأوروبي ولا الاتحاد الروسي ولا الأمم المتحدة يملكون من وسائل الضغط على إسرائيل ما يجبرها على رد القدس لا سيما إن كانت إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة في غصبها. وعليه، فإن استمرار منظمة التحرير الفلسطينية في عملية السلام، أيا كان من يرعاها، ليس إلا تسليما ضمنيا بضياع القدس إلى الأبد وقبولا بديمومة وضعها الحالي واعترافا غير معلن بأنها عاصمة فعلية لدولة إسرائيل.
ليست هذه دعوة لإنشاء منظمة جديدة تمثل الشعب الفلسطيني، ولا لتنصيب قيادة غير منتخبة له، إنما هي دعوة لنفي أي تفويض أو توكيل، مدعى أو متضمن لمنظمة التحرير الفلسطينية
ولما كان كل فرد من الشعب الفلسطيني، صاحب حق أصيل في القدس كلها، شرقها وغربها، ما احتل منها عام ١٩٦٧ وما احتل منها عام ١٩٤٨، فإن من واجب كل فرد فلسطيني أن يعلن أن هذا الاعتراف الرسمي الضمني بإسرائيليتها لا يمثله، وأنه يتمسك بحقه في القدس وحق أولاده من بعده.
كذلك فإن ما يسري على القدس يسري على سائر الأرض الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨ والتي تنازلت عنها منظمة التحرير عندما اعترفت بإسرائيل ودخلت في عملية السلام، فإن لكل فرد من الشعب الفلسطيني لاجئا كان أو غير لاجئ، ساكنا في فلسطين التاريخية أو خارجها، الحق الأصيل في هذه الأرض، وليس من حق الوكيل أن يتنازل عن حق الأصيل رغما عنه.
فبناء على ما سبق، ندعو كل فرد فلسطيني أن يؤكد حقه الأصيل في القدس شرقها وغربها وكامل التراب الوطني الفلسطيني، ما احتل منه عام ١٩٤٨ وما احتل منه عام ١٩٦٧ وأنه لا يوكل أيا كان بالتنازل عن هذه الحقوق أو التفاوض بشأنها.
المؤتمر الفلسطيني العام سيكون إخبار وسائل الإعلام عنه بمثابة زيادة في توثيق إرادة الشعب الفلسطيني بالتمسك بحقوقه والبراءة من أي فعل أو قول يورطه في التنازل عن هذه الحقوق أيا كانت صفة من يأتيه.
ليست هذه دعوة لإنشاء منظمة جديدة تمثل الشعب الفلسطيني، ولا لتنصيب قيادة غير منتخبة له، إنما هي دعوة لنفي أي تفويض أو توكيل، مدعى أو متضمن في الصفة التمثيلية المعترف بها دوليا لمنظمة التحرير الفلسطينية، للتنازل عن القدس أو سائر فلسطين التاريخية أو التفاوض عليهما… إنه إعلان يقوم به كل فرد أمام نفسه وآبائه وأولاده، إعلان للتاريخ وللقانون، أن أي تنازل أو تفاوض على القدس وسائر فلسطين لا يمثله ولا يلزمه ولا يلزم أولاده من بعده. هو إعلان أن الحق الدائم لا تسقطه موازين القوى المؤقتة، وإن كان هناك من يزعم تمثيل الشعب الفلسطيني ويعترف له العالم بهذه الصفة، فإن هذه الصفة لا تخوله التنازل عن هذه الحقوق بأي حال من الأحوال.
لتحقيق ذلك ندعو لأمرين:
الأول: حملة إعلانات براءة فردية موثقة، لكل فرد فلسطيني بالغ رشيد حيث كان، في السجلات المدنية أو على صفحات الجرائد، أو كوصايا مودعة لدى المحامين أو على وسائل التواصل الاجتماعي، بنفي التوكيل أو التفويض عن كائن من كان أن يتنازل عن القدس وسائر فلسطين التاريخية من البحر للنهر، أو يتفاوض بشأنهما، وببطلان أي اتفاقية قائمة أو محتملة يتنازل فيها كائن من كان عن حق ذلك الفرد الفلسطيني في القدس وسائر فلسطين التاريخية.
الثاني: أن تلتئم كل مجموعة من الفلسطينيين ممن يوافقون على فحوى هذا الإعلان المذكور، ويجتمعوا أينما كانوا من بقاع الأرض، داخل فلسطين التاريخية أو خارجها، في يوم معلوم، وأن يسمى اجتماعهم هذا، الواحد الزمان المتعدد الأمكنة، المؤتمر الفلسطيني العام، ويكون إخبار وسائل الإعلام عنه بمثابة زيادة في توثيق إرادة الشعب الفلسطيني بالتمسك بحقوقه والبراءة من أي فعل أو قول يورطه في التنازل عن هذه الحقوق أيا كانت صفة من يأتيه.