قوات أمريكية في الأنبار من جديد

محمد الوزّان*
بات من المؤكد ان شركة أمنية أمريكية ستأخذ على عاتقها تأمين الطريق الدولية التي تربط العراق بالمملكة الاردنية والتي تتبع الى محافظة الأنبار، حيث تشير بعض المصادر الى ان الحكومة المحلية لمحافظة الانبار وبدعم من الحكومة المركزية في بغداد اكملت التعاقد مع مجموعة “الزيتون الأمنية” لتأمين الطريق الدولية لغرض استئناف حركة التجارة عبر منفذ طريبيل الحدودي مع المملكة، بعد عجز القوات الحكومية من التوصل الى اتفاق مع الحكومة المحلية والعشائر لادخال قوات عراقية، وأرسل الرافضون لتواجد عراقي رسائل من خلال استهداف شرطة عراقيين تابعين الى اللواء الثامن شرطة حدود، تم استهدافهم فيما كانوا عائدين للتمتع بإجازاتهم الرسمية.
قوات الصحوة في الأنبار وعلى لسان قائدها الشيخ وسام الحردان أعلنت قدرتها على مسك الارض وتأمين الطريق، الامر الذي لم يرق للحكومة العراقية فسارعت لإنجاز اتفاق مع شركة أمريكية، وسرعان ما شاع الحديث في مدينة الأنبار عن صراع القيادات هناك من خلال الاستحواذ على تعاقدات جانبية مع الشركة الامريكية لتوزيع مهام تأمين الطريق الذي تمتد لمسافة 400 كيلو متراً، الحرب بين القيادات وصلت الى حد التشهير والاستقواء بجهات من خارج المحافظة، ويخشى ان يستقوي البعض بالمتسربين من تنظيم داعش الإرهابي وتكرار ما حصل بعد عام 2011 حينما قررت بعض القيادات الإخبارية استقدام داعش للمدينة لمحاولة الضغط على حكومة المالكي لتلبية مطالب المعتصمين، الامر الذي انعكس سلباً على المحافظة برمتها ودفع اَهلها ضريبة خطأ فادح اقترفته زعاماتهم دون تقدير الموقف مستقبلاً والذي حر الويلات على المحافظة.
من جانب اخر يأخذ على الولايات المتحدة انها دخلت عبر شركاتها الأمني.
الى المنطقة الاخطر في العراق حيث ان ذكريات الأمريكان لم تكن دافئة في معظم مناطق محافظة الأنبار، لذا فان الامر لا يعدو سوى مغامرة جديدة تقوم بها حكومة ترامب من خلال السماح للحكومة العراقية بالتعاقد مع شركة أمريكية في الانبار.
وعلى بعد مسافة لا تعد بعيدة تقف قوات من الحشد الشعبي عند الكيلو 160 وهذه القوات عبرت بكل الطرق الرسمية والإعلامية عن رفضها القاطع لأي تواجد أمريكي رسمي على أية ارض عراقية، وهذا ما يزيد تحدي المغامرة الامريكية الحديدة في العراق، على الرغم من عزم الحكومة العراقية تنظيف الانبار من اخر جيوب المتسربين من داعش وبعض الخلايا النائمة والمضاعفات التي تكمن على مسافة ليست بعيدة من الطريق الدولية التي ستكون مكان تنفيذ التعاقد مع الشركة الامريكية.
إذن، هل تعجل الأمريكان التواجد في مناطق لم يحسم امر أمانها بعد؟
ام ان في الامر استدراجات لجهات ما لقوات أمريكية ؟
ام ان الامر يتعدى ذلك لترتبط الاستراتيجيات بما يتم التخطيط له على الأرضين السورية والعراقية على حد سواء، وما تواجد قوات أمنية أمريكية في هذه المنطقة الا جزء من المخطط الامريكي الذي بات ميدانه المناطق السورية المحاذية للحدود العراقية لتشمل معها صحراء الانبار، هذا الاحتمال ربما هو الأقرب للإقناع استناداً للمعطيات الميدانية التي تشتغل عبيها الماكنة الامريكية من خلال تقديم الدعم اللوجيستي والحرص على التواجد الدائم.
الى هذا فان الفضاءات الصحراوية المترامية لمناطق الانبار لا تمثل بعدا استراتيجياً للإيرانيين في العراق، سوى ما يتعلق بالنخيب، وهي المنطقة التي تحرص ايران على إبقائها تحت سلطة شيعية لتأمين حدود مع المملكة الاردنية وتشكيل مثلث حدودي بين دولة شيعية مقترحة والمملكتين الاردنية والسعودية.
هذا الفضاء يعد مجالاً خصباً للامريكان كي يلعبوا به دون مشاكسات إيرانية، لكن المثير في الامر انهم يتواجدون اليوم في الانبار بدعم من سياسيي المدينة واصحاب القرار فيها، وهذا هو اخطر استدراج في المحافظة التي تعد فيها الأصوات العشائرية اعلى صدىً من غيرها، حيث ان معظم سياسيي محافظة الانبار باتوا لا يحضون بثقة مواطنيهم بعد حالة التشرذم والضياع ونزوح معظمهم الى خارج المحافظة بفعل اخطاء من تولوا قيادة سلطة القرار، هذا الاستدراج الامريكي يعد محاولة لتدوير بعض الأسماء والشخصيات التي ستتفاعل مع التواجد الامريكي، وهذا امر غير مستبعد في ظل تجريبه في النطاق السوري الى حد ما حيث نجحت الولايات المتحدة من إقرار بعض الشخصيات السورية العربية والكردية في تطاق الحسكة ومشارف الرقة وبعد تحقيق الانتصارات باتت هذه الأسماء الأكثر تداولات محلياً، هذه التجربة من الممكن تكرارها في الانبار ولكن على قاعدة مخالفة حكومة بغداد والتواجد الإيراني، وبالتالي فان اللعب مفردات خارج السرب الوطني العراقي امر لا ضير فيه من وجهة النظر الامريكية، فالنجاحات يكفل الزمن تحقيقها وان طال الامد قليلاً.

*كاتب عراقي مقيم في الأردن