عن السينما في النجف والرقابة القبليّة والبعديّة

كتب الأديب فارس حرَّام، في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”:
أمس واليوم أثبت شباب مهرجان أمارجي السينمائي الثاني، الذي أقيم على مدار اليومين بقاعة كلية التربية في النجف، أنهم أهل لتحمّل المسؤولية الثقافية في مدينة حساسة مثل النجف!
فقد شاهدنا التنظيم المتميز على قلة الموارد ومحدودية الإمكانيات، وشاهدنا الأفلام المختارة بعناية، وهي من أجود الأفلام القصيرة، عراقياً وعربياً وأجنبياً، بشهادة فنانين عراقيين مرموقين حضروا المهرجان من بغداد، أفلام بعيدة عن الإسفاف والسطحية، وممتعة فنياً، ومليئة بالموضوعات الإنسانية العظيمة ودفق المشاعر والتأملات العميقة التي تثيرها في النفس، كقراءة أي كتاب فكريّ ممتع، كما شاهدنا أيضاً في المهرجان التعطّش إلى الفنون في وجوه أبناء هذه المحافظة، لكن مع عدم الرغبة باستفزاز المزاج العام لمجتمعها واحترام خصوصيتها.
وحين تطلعت أمس واليوم إلى الأفلام تأملت في الكلام الذي نقله لي مدير المهرجان السينمائي الشاب فارس حسين، شاكياً من تعامل بعض المؤسسات الحكومية في النجف مع مهرجانه، إلى درجة عدم تمكنّه من إقامته في قصر الثقافة للأسف الشديد.
وبهذه المناسبة – وبالنظر لعدم إقامة هذا المهرجان في مكانه الطبيعي “قصر الثقافة”- فإنني أدعو السيد محافظ النجف الأشرف لإيجاد آلية واضحة حول منح القصر مجاناً لهذه الفعالية أو تلك، مع تشكيل لجنة مستشارين متخصصين بالآداب والفنون والنشاط المدني والشبابي، تختصّ برفع توصياتها الخاصة بكل طلب يحال إليها، ويُترك الرأي الأخير فيها للمحافظ، لأنّ منح القصر مجاناً يعني “المشاركة في الموقف العام للفعالية” كما لا يخفى، ولهذا السبب يمكننا تفهّم امتناع المحافظ عن منح القصر مجاناً بعض الأحيان لبعض الفعاليات، لأنه لا يريد تحمّل مسؤولية موقفها العام بحسب ما يمليه عليه وضعه كمحافظ وما تمليه عليه سياسة الإدارة في محافظة حساسة ومليئة بالتسقيط الجاهز كالنجف، ولهذا فإن تشكيل لجنة خبراء ووضع معايير واضحة أمران سيساعدان المحافظ كثيراً في اتخاذ القرار المناسب.
لكن هذا ليس آخر القصة!
فهنالك حالة التأجير، وفيها يمكن أن يُترك تحمّل المسؤولية للجهة المعنيّة بإقامة المهرجان، وليس من داعٍ أن نمارس على الفعاليات المستأجِرة للقاعة رقابة فكرية “قبليّة” (أي تفتيش أفكار الفعاليات وفقراته قبل إقامته)، فهذا النوع من الرقابة أصبح من ماضي الحكومات الدكتاتورية، وإنما الصحيح أن يجري العمل بدلاً من ذلك بالرقابة “البعدية” أي تفتيش ممارسات المهرجان ((بعد)) إقامته، فإذا وُجد فيها ما يخرق القوانين أو يسيء لحقوق الإنسان فيُصار إلى رفع شكوى قانونية أصولية ضدّ صاحب المهرجان. ولهذا فإنني أرى أنّ التأجير (على محدودية ميزانيات مهرجانات الشباب) أفضل حلّ لتخلص المحافظة من مسؤولية الرقابة القبليّة وإشكاليات المنع المسبق للفعاليات المنويّ إقامتها مجاناً في قصر الثقافة.
هكذا نتعلّم القانون ونعلّمه، ونقيم دولةَ إنسانٍ يعرف حقوقه وواجباته، من دون مزايدات وتسقيطات يقوم بها هذا أو ذاك تحت عبارات غامضة وواسعة المعنى كعبارة “قدسية المدينة”، فالكل يعرف حدود المزاج العام هنا، ومن يريد تجاوزه سيعيش غريباً ومعزولاً، وهذه نهاية لا يريد بالتأكيد أن ينتهي إليها أي مهرجان يسعى لكسب احترام الجمهور، وتجديد إقامته سنوياً.
أما موضوع منع “الفرقة السيمفونية العراقية” من إقامة عزف لها في المحافظة، فهو ما سأعالجه في أحد المنشورات القادمة.

((عن السينما في النجف، والرقابة القبليّة والبعديّة))أمس واليوم أثبت شباب مهرجان أمارجي السينمائي الثاني، الذي أقيم على…

Posted by Faris Harram on Samstag, 6. Mai 2017