بناء الانسان وإعادة إعمار العراق
د.فلاح عبد الحسن
تزامنا مع انعقاد مؤتمر المانحين في دولة الكويت نود ان نسلط الضوء على اوليات الخطاب العراقي الرسمي والتي يجب ان يضعها المسؤولون في بغداد نصب اعينهم ليكونوا مقنعين في خطابهم للجهات الدولية المانحة وللشارع العراقي قبل كل شيء. من وجهة نظرنا فالخطاب العراقي الحالي يرتكز على اعادة اعمار المدن التي دمرها داعش ولم نلحظ اية اشارة الى جوهر هذه المدن وسبب نشأتها ودوام وجودها وهو الانسان
فما قيمة المؤسسات والابنية وكل انواع البنى التحتية والمشاريع دون الانسان الذي يمنحها الحياة ويضخ فيها الروح ويصبغها بصبغة انسانية ودونه فانها ستكون خاوية على عروشها!
وفي الوقت ذاته لا احد ينكر اهمية توفير البيئة المناسبة في المدن والقرى التي احتلها داعش لكي يستطيع النازحون العودة الى بيوتهم. لكننا قد نكون امام معضلة حقيقية اذا لم يستمع صانع الخطاب العراقي الى صوت المنطق وان يُحكم صوت الانسانية قبل الماديات. وقبل ان نطالب المانحين بالاموال لاعادة اعمار البنى التحتية لهذه المدن، علينا ان لاننسى او نتناسى ما افرزه داعش والحروب التي مر بها البلد من حالات جديدة لم يعرفها العراق سابقا وفي مقدمتها:
1 – الايتام: وهم صنفان: ابناء الشهداء وابناء مجرمي داعش، وكلهم اطفال لا ذنب لهم. حيث يصل عدد الايتام في جميع انحاء العراق منذ 2003 ولحد الان الى اكثر من ثلاثة ملايين يتيم. ولا يخفى على احد ان هذا العدد يتجاوز تعداد بعض الدول الصغيرة. فالعناية والاهتمام بهذه الفئة يجب ان يكونا من الاولويات لانهم في المستقبل المنظور سيكونون قادة المستقبل. وكما هو معروف فان اليتيم مشروع مجرم اذا لم يجد الجهة التي توفر له الرعاية والعناية اللازمة من تربية وتعليم وصحة، وهنا يكمن الخطر اذا لم يحتضنهم احد.
لذا يتوجب على صاحب الخطاب ان يجعلهم في اعلى سلم اولوياته اثناء انعقاد المباحثات والمشاورات مع الدول المانحة. كما يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول التي خاضت حروبا طويلة وخاصة الحرب العالمية الاولى والثانية في اعداد البرامج والمناهج الخاصة بهم.
-2 الارامل ويقارب عددهن المليون ارملة. وهذه الفئة هي الوسط الحاضن للايتام وعدم الاهتمام بهن سيجعلنا نواجه معضلة انسانية حقيقية ،فليس هناك مجتمع حقيقي دون امرأة قوية قادرة على قيادة البيت والعائلة. ومن هنا يتوجب علينا ان نمنحهن الفرصة من خلال البرامج الخاصة والمشاريع الصغيرة داخل البيوت.
3 – المغتصبات والسبايا واعدادهن غير معروفة. فليس سهلا معرفة اعداد هذه الفئة من النساء في مجتمع محافظ كالعراق لانها ستواجه الموت رغم انها كانت ضحية بكل ما لهذه المفردة من معنى. لذا من البديهي كما نعتقد ان يطالب الجانب العراقي بتقديم الدعم لتأهيلهن واعادتهن للمجتمع بعد اشراكهن في دورات نفسية متخصصة على يد خبراء في علم النفس والاجتماع. وبطبيعة الحال هذا يتطلب الكثير من الجهد والاموال التي يجب ان تُرصد لمثل هكذا برامج وباسناد من مؤسسات المجتمع المدني الدولية والمحلية.
4- الاطفال غير معروفي النسب: وهذا شكل اخر لايقل اهمية عن ماورد في اعلاه ويتفرد بكونه حالة طارئة وجديدة على المجتمع العراقي.
وتظهر الحاجة الماسة هنا لتقديم الدعم اللوجستي من خلال توفير المختبرات والاجهزة الخاصة بتحاليل (DNA) لمعرفة نسب هؤلاء الاطفال واعادة ما يمكن اعادته منهم الى ذويهم وخاصة العوائل الاجنبية التي تكونت من اب اجنبي وام اجنبية. علما ان هناك الكثير من العوائل تقدمت بطلبات لارجاع احفادهم بعد موت الام والاب في العراق. والاهتمام بهذه الفئة خصوصا سيظهر للعالم اجمع حقيقة المجتمع العراقي وخصاله الانسانية في التعامل مع اطفال مجرمي داعش الذين عاثوا فسادا في العراق وارتكبوا ابشع انواع الجرائم بحق الانسانية.
5 – الاطفال الذين درسوا بمناهج داعش والذين تتراوح اعمارهم من 6 الى 12 سنة او مايعرف بـ (اشبال الخلافة) او (فتيان الجنة). الحاجة الماسة لبرامج ومناهج خاصة لاعادة هؤلاء الى الحياة الطبيعية بعد مرحلة غسل الادمغة والافكار التي مروا بها ضمن صفوف داعش وحواضنه ولمدة طويلة نسبيا. ان العمل مع هؤلاء الاطفال والفتيان يحتاج الى خبراء ومختصين يندر وجودهم في العراق لذا من الاهمية بمكان مطالبة الدول المانحة باقامة دورات متخصصة لتطوير قابليات وامكانيات التربويين العراقيين واعدادهم لتحمل هذه المسؤولية الصعبة لضمان عدم عودة هؤلاء الفتية الى ممارسة القتل والاجرام كما علمهم داعش.
6 – المعلمون والمدرسون الذين علموا الاطفال حسب مناهج داعش ايضا بحاجة الى ان يكونوا تحت انظار الجهات المختصة ودراسة امكانية اعادة غير المجرمين منهم والذين لم تتلطخ ايديهم بدماء العراقيين، الى جادة الصواب. وهذا ايضا يتطلب جهودا مضنية واموالا طائلة.
7 – المعاقون وجرحى الحرب من المدنيين والعسكريين الذين بذلوا الغالي والنفيس دفاعا عن الارض والعرض.
ومن غير المنطقي ان نتركهم يواجهون مصيرهم دون دعم او اسناد لهم ولعوائلهم الابية! ومن الواجب الاخلاقي والانساني ان نمد لهم يد العون ونقدم لهم كل مانستطيع لتسهيل امورهم الحياتية واحتياجاتهم الاسرية.
ان هذه الجدلية تتطلب منا ان نربط عملية بناء الانسان نفسيا واجتماعيا والاهتمام به مع عملية اعادة اعمار المدن المدمرة والتي يجب ان يتضمنها الخطاب العراقي الحالي، كما نرى. ومن نافلة القول ان نكون مبادرين بطرح الحلول التي نعتقد انها كفيلة بعلاج هذه الاشكاليات والتي تتناسب مع قيمنا الاجتماعية وان لاننتظر من الاخرين ان يجدوا لنا هذه الحلول. وكلما كنا جادين وفاعلين في طرح المشكلات والحلول سيكون المجتمع الدولي اكثر حماسا وتجاوبا معنا، وبعكسه فان العواقب المستقبلية لن تسر احدا.