ما بعد القروض

حسين فوزي
مازالت العديد من الآراء تتناول نتائج مؤتمر “المقرضين” في الكويت بتشنج يتخطى التناول الاقتصادي الموضوعي إلى التهجم السياسي المشخصن، وهو تناول ضار، ليس في تضليل الرأي العام فقط بل يتخطاه إلى إثارة “هلع” المقرضين وترددهم في التعامل مع بيئة اجتماعية وسياسية من هذا النوع، بالرغم من اعتراف العالم ببطولات الشعب العراقي وقواته المسلحة في دحر داعش ومطاردتها بفعالية غير متوقعة، وهو ما استدعى انعقاد المؤتمر في الأصل.
وقد كان السيد رائد فهمي، وهو سياسي وباحث اقتصادي حاصل على شهادات عليا في الاقتصاد الرياضي واقتصاد التنمية من جامعتي لندن البريطانية والسوربون الفرنسية، منصفاً في تناوله لنتائج مؤتمر “المقرضين” في الكويت، من حيث تأشيره أولاً انه لم يكن مؤتمر “مانحين” كما تأمل العراقيون نتيجة ما روج للمؤتمر قبيل انعقاده وتسميته الرسمية ايضاً. وعبر عن قناعته بأن القروض لن تؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوة منها، بل ربما لن يتحقق الأقراض شانه شان 1500 مشروع استثماري منح تراخيص تنفيذ، لكن المنفذين واجهوا “معوقات” خفية جعلت المشاريع هياكل كارتونية.
وهو بهذا يشير إلى الفساد المالي بجانب عدم الكفاءة الإدارية والكثير من الأنظمة التي تحول دون اي عمل قائم على اساس حسابات الربح والخسارة، وليس مشاريع زمن النظام الشمولي التي تقوم على اساس تعيين المواطنين بأدنى الأجور لتكميم افواههم، أو بالأقل الحيلولة دون تفاقم الفقر حد الانفجار الاجتماعي.
ولعل اهم ما اشار له بذكاء هذا الباحث هو أهمية وضرورة التوجه الداخلي الوطني لحل ازمة البلاد، بمعنى ان هناك اعتمادات ضائعة نتيجة عدم المصادقة على الحسابات الختامية لموازانات سنوات عديدة، بجانب عدم ترشيد الاستثمار الوطني في الموازنة وفق حساب الأسبقيات.
وبعد هذا كله فالكل يعرف ان هناك “اموالا” عراقية طائلة هربت إلى الخارج، وهي مستثمرة حالياً في مشاريع بلدان مجاورة، منها الأشقاء الأردن والامارات، كذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة. وهي اموال مطلوب وطنياً تطمينها وجذبها من
خلال معالجة الأسباب التي ادت إلى هروبها، خصوصاً أن الطائفية قد خفتت إلى حد كبير، والكثير من القوى السياسية متفقة على مواصلة التصدي لها، بحكم ما الحقته من أضرار بالجميع.
وبناء على مثل هذا الطرح العلمي الذكي للسيد فهمي، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، فأن المطلوب ليس لعن الظلام، ولا مواصلة الضجيج ضد مؤتمر المقرضين، إنما الضروري هو مؤازرة الراي العام وكل من يكتب لحملة تدعو إلى أصلاح مالي واقتصادي، بما يضمن النزاهة المحكومة بالشفافية، وانظمة وضوابط تشجع الاستثمار، بدءاً من استثمارات المشاريع الأصغر وحتى المشاريع الكبرى، وفي مقدمتها حسم قضية المعامل والمصانع وبقية المشاريع المعطلة.