مؤتمر الكويت .. وحاكمية الفعل العراقي

عبد الزهرة محمد الهنداوي
واكتفى هذا العالم المتزاحم اليوم بالتفرج على مسارات الاحداث حين ذاك ، منتظرا ما ستؤول اليه نهاياتها بسقوط هذا البطل المثخن بالجراح .
ولكن ، الامر لم يكن كما كان الاخرون يتوقعون او ربما يتمنون ، فالفاعل العراقي كانت له كلمة اخرى ، كلمة غيرت مسار الاحداث ، ليصحو العالم من سكرته وهو يفرك جفون عينيه غير مصدق ما يحدث امام ناظريه .. فقد انتفض البطل متحاملا على جراحاته الغائرة وصال صولة الفرسان في الميدان مزمجرا (وقفت وما في الموت شك لواقف … كأنك في جفن الردى وهو نائم … تمر بك الابطال كُلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم) ..وان هي الا ايام خاض فيها العراقيون اشرس المعارك وسطروا فيها اروع الملاحم حتى تحررت الارض وعادت الشمس لتشرق من جديد في بلاد مابين النهرين .. ومن دون ابطاء وقبل ان تتلاشى رائحة البارود ، شمَر الابطال عن سواعدهم ليبدؤوا معركة اعادة البناء.. وهنا وقف العالم مشدودا مبهورا متحيرا في موقفه ، ثم ما لبث ان طأطأ رأسه منحنيا ازاء البطل العراقي، فاصطف مؤديا التحية لهذا البطل .. ومن هنا تخيلت ان المشاركين في مؤتمر الكويت جاؤوا ليقفوا جميعا في ساحة كبيرة ويقف الفارس فوق منصة البطولة ليحظى باعتراف وشهادة وتتويج عالمي لما قام به من بطولة قل نظيرها قهر فيها الظلام وحمى الانسانية جمعاء من خطر محدق ..
نعم ، لو لم ينتصر العراق – لا سمح الله- لوجدنا العالم اليوم في واد اخر ، ولكن ، ما تحقق هنا فوق هذه الارض كان مدعاة للعالم ان يقف محييا ، والتحية كانت مقرونة بفعل تمثل بمؤتمر الكويت الخاص بإعمار العراق، فعلى مدى ثلاثة ايام كان اعضاء الوفد العراقي محط انظار اكثر من ثلاثة آلاف شخصية شاركوا في المؤتمر يمثلون حكومات وشركات ومنظمات، وجميع المشاركين كانوا يسعون لتحقيق لقاءات مع اعضاء الوفد العراقي ليعرفوا الصورة عن قرب ، وفي هذا السعي مؤشر واضح بأن المرحلة المقبلة ستشهد تنافسا حادا بين كبريات الشركات العالمية وفي مختلف الاختصاصات للظفر بفرصة استثمارية من تلك الفرص العملاقة التي اعلن عنها من فوق منصة التتويج العالمية.. وبصرف النظر عن مخرجات مؤتمر الكويت المتمثلة بالحصول على قروض استثمارية وتسهيلات ائتمانية ومنح وصلت إلى نحو 30 مليار دولار، في وقت اعلنت فيه الحكومة العراقية ان حاجة العراق الانية من الاموال هي قرابة 23 مليار دولار ، فيما الحاجة على المدى المتوسط تصل إلى نحو 65 مليار دولار ، فان المؤتمر يمثل في اطاره العام اعترافا دوليا صريحا باحقية العراق في التنمية جزاء لما قدمه من عطاء في مواجهة الارهاب، وان كانت ثمة تخوفات لدى البعض من عدم توفر البيئة الامنة للاستثمار، فقد اعلن العراق أن مجلسا أعلى للاستثمار شُكّل مؤخرا برئاسة رئيس الوزراء وعضوية عدد من الوزراء والمعنيين وهذا المجلس ستكون له قوة اتخاذ القرار المناسب لمعالجة الروتين القاتل والفساد الناشب والابتزاز المقرف للمستثمرين من هذا الطرف او ذاك ، فضلا عن ذلك فقد أُعلن في الكويت ايضا عن بناء منصة رقمية الكترونية عراقية للإعلان الفوري عن المنح الدولية والموارد وآليات المراقبة والمتابعة للمشاريع بهدف رفع مستوى المسائلة لطمأنة الجهات المانحة ، وإجراءات اخرى مهمة من شأنها ضمان بيئة ايجابية لتشجيع الاستثمار الذي يمثل السبيل الامثل لإعادة الاعمار وتحقيق التنمية المطلوبة في فترات زمنية سريعة ، وبحسب التجارب العالمية المماثلة، فان جميع الدول التي واجهت ظروفا تشبه ظروفنا كانت قد سلكت طريق الاستثمار للوصول إلى ما وصلت اليه من بناء اقتصادي متين ..
ومع هذه المعطيات يبرز في وسط المشهد سؤال مهم مفاده : هل كان الموقف الدولي في مؤتمر الكويت ملبيا لطموح العراقيين ؟ او لنقل هل كان بمستوى ماقدمه العراقيون من دماء وما تعرضوا له من دمار وخراب ؟ .. من المؤكد ان الاجابة ، كلا ، فكل اموال العالم لا تساوي قطرة دم لشهيد او جريح سالت في معركة الدفاع عن العراق والعالم ..
وإزاء هذا وذاك من المواقف علينا ان نكون شجعانا في مواجهة ظروف العراق.. فدائما الحلول المرفوضة هي الحلول المفروضة في ظروف صعبة ومعقدة مثل ظروف العراق .. أليس كذلك؟