هكذا نبنى الموصل

كتب محافظ نينوى نوفل حمادي، في مجلية “فورين بوليسي الأمريكية”:
وأنا أكتب عن الموصل، حيث يقاتل العراقيون لإستعادة مدينتهم من تنظيم داعش الإرهابي، ورغم صعوبة القتال لانه قتال في المدن السكنية الضيقة، لكن ليس لدي أدنى شك من أن هذه الجماعة الارهابية سوف تهزم ولن تعود ابدا. القتال في المستقبل سيكون أصعب وأشد فتكا، لكنه سيكون خال من وجود داعش، والنصر في متناول اليد.
وبصفتي حاكما لمحافظة نينوى وعاصمتها الموصل، فقد شهدت المشقة الهائلة الناجمة عن داعش. لكن ما يلهمني هو عزيمة وإصرار الجنود العراقيين والنصر المستوحى منهم وشركاؤنا الدوليين للتغلب على التحديات الهائلة التي نواجهها.
في الأسابيع الاخيرة احتفلنا بإفتتاح مصنع الإسفلت في سهل نينوى الذي من شأنه المساعدة في إعادة تعبيد الطرق التي دمرها داعش.
ورأينا اليوم كيف تمت إعادة تأهيل محطة ضخ المياه الى جميع انحاء شرق الموصل المحررة. فيما بدأت الآن مضخات أخرى بالعمل لتوفير عشرات الآلاف من قناني المياه المعقمة البلاستيكية يوميا الى اهالي الموصل، وتعمل هذه المضخة على توفير المياه الصالحة للشرب، وتعمل فرق شبابية وعشرات الشاحنات والجرافات يوميا لإزالة الأنقاض من شوارع الموصل، ومسح آثار داعش من الموصل “العربية”.
من خلال التعاون والعمل الوثيق مع بغداد توصلنا الى اتفاق لتخصيص 40 الف برميل نفط يوميا الى مصفاة نينوى. وستزود المحافظة بالكيروسين والديزل لتلك المصفاة وتحديدا في المناطق المحررة بالقيارة جنوبي الموصل. حيث عاد 70 في المئة من السكان إلى المنطقة.
أنا أعلم أنه من الصعب النظر بعيدا عن المعاناة والألم اللتان ظهرتا بسبب العنف وداعش، حيث فقد الآلاف من الابرياء حياتهم في القتال، وكثير منهم ما زالوا مشردين. ويتوقع البعض ان المزيد من العنف بعد تحرير المدينة، وأن الاموال المستثمرة في الموصل ستضيع.
وهذا نوع من السخرية، كونها نبوءة لا تحقق ذاتها، ويجب على العراقيين العمل إلى جانب المجتمع الدولي في محاربة مثل هذا التشاؤم، وإظهار انه يمكن لاهل الموصل ان يعملوا معا لبناء مدينتهم لتعود أقوى من قبل، وتكون مدينة مفتوحة لجميع العراقيين، ومغلقة أمام المتطرفين الذين يمارسون العنف.
هناك الكثير من القصص المتاحة تحمل التفاؤل، وهذه القصص التي يمكن أن تعيد الثقة لأهل الموصل، وغرس الأمل في نفوسهم. ينبغي ايضا أن نسلط الضوء على جهود الإيزيديين للتعافي مرة اخرى من صدمة الإبادة الجماعية التي لحقت بهم، وضمان إعادة دمجهم في نينوى الجديدة. وينبغي ايضا أن ندعم الجهود الأخيرة التي يبذلها العرب والاكراد والشبك والمسيحيين والايزيديين والتركمان والكاكائيين لبقاء مستقبل العراق متعدد الثقافات الاجتماعية.
ولا يمكن إنجاز هذا المشروع إلا اذا عمل العراقيون مع بقية العالم. ونيابة عن الموصليين، أود أن اعرب عن تقديري لجميع الذين قدموا الخدمات العسكرية لإخراج داعش من الموصل، وكذلك الذين قدموا المساعدات الإنسانية إلى قرابة 300 ألف شخص من الموصل، وبفضل تضحيات الجنود العراقيين ستكون هزيمة داعش في الموصل قريبة، وبفضل الخبرات والمساعدات، سيتم التخفيف من الأزمة الإنسانية.
ومع ذلك فإن الندوب التي خلفها داعش بالتأكيد ستبقى عميقة وحقيقية، إذ يعمل مكتب المحافظ مع الأمم المتحدة لتحديد الاحتياجات الانسانية وتحقيق الاستقرار وتقديم المساعدة بدءا بعملية إعادة الحياة الى الموصل. ولكي يتجاوز الموصليون هذه الأزمات، يحتاجون الى بناء فضاء امني مستقر بإستمرار، وهذا بحاجة إلى استمرار الدعم.
الخطوة الأولى هي أن يشعر العراقيون بأنهم يعيدون الأمل في مستقبل أكثر إشراقا، ولهذا السبب حين يتم تحرير المدينة ونرفع العلم العراقي فإنه يحقق الإنجاز الذي نطمح إليه.
الشعور بالأمل هو الحافز الوحيد الذي يلهم شباب الموصل، وعليهم نبذ الارهاب والاهتمام بالشراكات الدولية للاستثمار في المدينة لبناء مؤسسات تعليمية وشركات التكنولوجيا فائقة التطور مع تنظيم شراكات مع شركات كردية لتوفير المنح الدراسية للشباب والتدريب الداخلي والخارجي.
هناك سبب للأمل في الموصل ما بعد التحرير، انا اطلب من المجتمع الدولي ان يشاركنا هذا الاعتقاد وأن ينضم الى العراقيين لمساعدتهم في زراعة هذا الأمل. معا، يمكن لجهودنا ان تقضي على داعش وتبني بلدا خاليا من الارهاب.