العشيرة.. ظهير الحكومة
محمد السيد محسن*
حسن حسني، وقائد فليفل، وعبد الباري مالح، وجعفر عمران، ويوسف اسماعيل، وحسن زويد، ومظفر عبد المجيد.
انها اسماء شخصية لنجوم لامعة حينها “وما زالت” في سماء الفن والابداع العراقي جاءتهم الاوامر عام 1975 بعدم استخدام اسم العشيرة والاكتفاء بالاسم الثنائي –اي- اسم الاب او الجد.
فحسن حسني هو حسن العبيدي الذي ارتأى ان يحتفظ باسمه الجديد، وقائد فليفل هو قائد النعماني، وعبد الباري مالح هو عبد الباري العبودي، وجعفر عمران هو جعفر السعدي، ويوسف اسماعيل هو يوسف العاني، وحسن زويد هو حسن الجنابي، ومظفر عبد المجيد هو مظفر النواب.
وحينها بدأ الجمهور العراقي يسمع اسماء بعض القادة باسم ابائهم وليس القابهم، فصدام التكريتي صار صدام حسين، وعزت الدوري صار عزت ابراهيم، وطه الجزراوي صار طه ياسين رمضان، وحسن العامري صار حسن علي… الخ.
ولم تمض سوى اعوام قلائل حتى احتاجت الحكومة التعامل مع العشيرة العراقية عام 1982 بعد ارتفاع نسبة الهروب من الجيش العراقي ابان الحرب العراقية الايرانية وبداية خسارة العراق للمكتسبات التي استحصل عليها في بداية الحرب، واستعادة الايرانيين لمناطقهم ودخولهم في عمق الاراضي العراقية.
كان الحرج واضحا في خطوط التماس، فما كان من صدام حسين الا اللقاء مع العشائر العراقية والتحدث معهم بطريقة اخرى، حيث باتت العشيرة وفق المنطق الجديد ذخيرة للحكومة وداعما للامن، وكان من ثمرات اللقاء ان تم الاتفاق مع العشائر ان تسلم الاخيرة او تصفي من يتهرب او يتخلف عن اداء واجبه “العسكري”، وساق صدام حسين حينها ذريعة تتعلق بالثارات العشائرية فقال لضيوفه من شيوخ وزعماء العشائر: “اذا تولت كل عشيرة امر الهاربين والمتخلفين من ابنائها فلن تنازعها عشيرة اخرى بثارات لتسليمها او اعدامها احد ابنائها”.
كانت تلك حجة بالغة، لكنها حولت الزعماء العشائريين الى “شرطة امن” يتنقلون بين أزقة سكن العائلات التابعة لعشائرهم، وأُهدوا حينها كلا مسدسًا من قبل الرئيس نقش عليه اسمه وكان حينها مصدر فخر لدى الكثيرين.
وفي تلك الايام استعاد نجوم العراق اسماءهم القديمة فاستعاد يوسف العاني وغيره اسماءهم بلقب المدينة او القبيلة، فيما فضل البعض الاخر الإبقاء على اسمه مثل الفنان والمخرج حسن حسني، وبقي القانون سائرا على مظفر النواب حيث بقي التلفزيون العراقي يبث اغنية “حن وانه احن” لياس خضر ويكتب في تعريف كادر الاغنية : كلمات مظفر عبد المجيد.
ومع تقادم الزمان وتغير وجوه اصحاب القرار في الحكومات العراقية بقيت العشيرة العراقية موضع اهتمام من قبل من يستولون على القرار في العراق، وباتت ملامح هذا الاهتمام جلية بعد عام 2003 حيث راهن كثير من السياسيين وزعماء الاحزاب على العشيرة وعدوها ركيزة اساسية في المجتمع والدولة، ووصل الحد لمطالبة بعض اعضاء البرلمان لإقرار قانون العشائر الذي يجيز للاخيرة باستخدام “سننها” التي لا تتعارض مع القانون الذي يدير الدولة. وهذا بلا شك لن يحدث لان معظم سنن العشائر تتعارض مع قوانين الدولة، كما ان التداخل بين قانونين في الدولة الواحدة يشتت القرار ويضعف من دولة القانون الواحد.
ومع اقتراب موعد الانتخابات نرى العشائر باتت الهدف الاول لكل سياسي يود ان يعيد دوره في سدة القرار في العراق واذا بهم يتوافدون على دواوين العشائر ويستمعون بنشوة المتكبر والمتجبر الى “هوسات” تلك العشائر، بل، وينبري بعضُ من زعماء العشائر لتقديم العطايا والهدايا لرعاياهم من “المهوسجية” نيابة عن السياسي الزائر.
من جانب اخر لم يشهد التاريخ الحديث ان العشائر العراقية كانت مصدر الهام لثورة ما، او تغيير ما، او ضغط ما، على حكومة عراقية منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، وحتى استبدالها بالعملية السياسية عام 2003، وبقيت العشيرة العراقية عنصر دعم لا يستهان به لاصحاب القرار في العراق، يتقرب بهم السياسيون الى اهدافهم، ويجعلونهم منصات ترويج لبرامجهم، وحين يأتي موسم القطاف لن يحصل الا الزعماء على بعض العطايا، فيما يبقى اعضاء العشيرة كل يسير على هواه وكل يقتنع بما يراه.
*رئيس التحرير