الجماهير والانشقاقات الحزبية في العراق

لم أعمد الى الكتابة عن اخر الانشطارات الحزبية في هيكيلية المجلس الاسلامي الأعلى وما رافقته من تحليلات سياسية وتوقعات في مستقبل تيار الحكمة الوطني الذي أسسه السيد عمار الحكيم مبتعدا بذلك عن كيان سياسي عايش الظروف السياسية في المعارضة قُبَيل العام 2003 وفِي الحكم بُعَيد العام 2003 لسبب واحد وهو انني شخصيا أحببت ان استمع الى نبض الشارع العراقي وعن قرب منهم حيث الاستماع اليهم بما يتوقعون لهذا التيار الجديد فتَنقّلت بين المحافظات العراقية التي صادفت ان كنت في عدد منها طيلة الايام المنصرمة فتنوعت التحليلات والتفسيرات رغم انها تلتقي في رأي واحد او غاية واحدة وهي ان الانشطار لعبة سياسية تأتي لتأسيس كيانات متبعثرة تعمل جاهدة على لملمة أصوات العراقيين لأغراض انتخابية قريبة وان الخلافات قائمة بين الكبار المخضرمين حول كيفية إقناع الشارع عبر تغيير البناء السياسي وهذه الفكرة المتكونة لدى الناس هي عامة مطلقة على كل الأحزاب دون استثناء ويقول مثقفون ايضا ان التيار الصدري ربما سيكون هو الاخر منشطرا على نفسه بسبب الخلافات التي نشبت في الفترة الاخيرة من قبل البعض وخروجهم عن طاعة زعيمهم ،

وكذلك حزب الدعوة قد ينشطر هو الاخر نتيجة التناحر السياسي بين حرسه القديم وتطلعات الكوادر الجديدة :: الى هنا كانت هذه آراء الناس حول التساؤل العام عن الانشقاقات في جسد الأحزاب التي حكمت العراق منذ العام 2003 والى يومنا هذا حتى مع ظهور احزاب جديدة بنواة اخرى ليست ناتجة عن انشطارية معينة .

انا اعتقد ان هذه الأحزاب فهمت الواقع السياسي والمزاج الشعبي العراقي بالخطأ ظنا منهم ان الانفتاح على الجميع او المدنية هي الحل في الدخول الى قلوب الناس ومن خلالها يمكن ركوب الموجة الى درجة إهمال الفكر والعقيدة الحزبية التي آمنوا بها حين انتمائهم الى أحزابهم الحالية وليس ضيرا عندهم ترك تلك الثوابت من اجل دغدغة مشاعر الناس ولو كان الانتقال فعلا الى الجيل الكبير من الشباب العراقي فذلك حقيقة ما يمكن ان نتمناه من اجل بروز جيل سياسي بدماء جديدة ونشطة تعمل بعقلية شبابية كما هو ذات الامر في الدول الغربية اليوم نلحظ ان التدفق الكبير من الشباب على العمل السياسي اصبح أمرا ملحوظا واعطى اندفاعا كبيرا للعمل التنفيذي في تلك البلدان وهذه هي الاستراتيجية الممكنة لقيادة دولة مؤسسات حقيقية لان جميع المخضرمين أصبحوا في حال من التناحر السياسي فيما بينهم لا يمكن ان ينفكوا عنه وان كان المخضرمين في احزاب الغرب لهم منوال اخر فهم يعمدون دوما الى ترك الساحة للجيل القادم حتى مع نجاحهم لتكون دورة السياسة والعمل فيها ناجحة وهو ما نفتقده للاسف في شرقنا الاوسطي.

للاسف ما لاحظناه في التغيير الجديد الذي قاده السيد عمار الحكيم لم يأتي بالصبغة الغالبة من جيل الشباب وما شاهدناه في الصورة التي تجمع قيادات التيار الجديد كلهم او أغلبيتهم العظمى من الوجوه القديمة وما زالت تصريحاتهم استفزازية حتى مع قيادات المجلس الأعلى القدماء كما هو تصريح السيد النائب حبيب الطرفي حول مقرات وبنايات المجلس الأعلى ، لذلك ما غيرنا من الامر شيئا .

اما محاولات الانشطار في التيار الصدري والاتجاه الى القيادات الشابة وربما قريبا جدا قد يكون تعبيرا بالانقلاب على الكثير من المنتمين الى التيار الذين سئم منهم السيد مقتدى الصدر ويريد ان يزيح عن كاهله كل المشاكل التي سببوها له طيلة سنوات الحكم السابقة ، وتمتد السلسلة في الانسحابات وتكوين تيارات اخرى الى احزاب إسلامية وغير إسلامية بما فيها اتحاد القوى وهناك حديث عن جميع هذه الأحزاب انها مهددة بذلك .

في خضّم كل ذلك اجد ان المواطن لا يحتاج الى هذه المغازلة السياسية وانما يحتاج الى الخدمات وتوفير الامن والصحة والبنية التحتية والتعليم المحترم وسياسة خارجية تعيد للمواطن العراقي قدرته على التعايش مع الشعوب الاخرى وفهم ثقافاتها المتنوعة من خلال التواصل بين الامم وليس بتغيير الوجوه او كثرة الأحزاب مع احترامي الكبير لهذه الخيارات والإرادات السياسية والحال انني لا أشكك في وطنية الآخرين بقدر ما هو رأي يستمد قوته من الشارع العراقي ونبضه حين يحلل ويتفهم واقعه على الارض ..

تمنياتنا للجميع بالتوفيق ولكن التمنيات مشروطة بخدمة المواطن والوطن وليس في انتاج كيانات وأحزاب سياسية تزيد الساحة السياسية تعقيدا ….