“بي بي سي” تكشف تفاصيل صفقة تهريب آلاف الدواعش بحماية طائرات التحالف

بغداد – الاعمار
كشفت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن تفاصيل صفقةٍ سريةٍ سمحت للمئات من مقاتلي تنظيم “داعش” وأسرهم بالخروج من الرقة على مرأى من قوات التحالف الخاضعة لقيادة أميركية – بريطانية، والقوات التي يقودها الأكراد الذين يسيطرون على المدينة.
وشملت قافلة المُرحَّلين من المدينة بعض أشهر أعضاء التنظيم، وعشرات المقاتلين الأجانب بالرغم من تأكيد الأطراف المعنية سلفاً على عدم السماح لهم بالمغادرة أحياء.
وانتشر بعض المُرحَّلين في جميع أنحاء سوريا، حتى أنهم وصلوا إلى أبعد من ذلك وذهبوا إلى تركيا.

كيف كشف السر؟
أبو فوزي، سائق الشاحنة التي حملت المُرحَّلين، أحد الذين اطلعوا على هذه الصفقة القذرة، حسب وصف “بي بي سي”، بعدما كان يظن أنَّ المهمة التي. طلبت منه لقيادة شاحنة ستكون مجرِّد مهمةٍ تقليدية سينتهي منها.
ويقود أبو فوزي شاحنةً تسير على 18 عجلة عبر بعض أخطر الأراضي في شمال سوريا المُتَمَثِّلة في جسورٍ مُدمَّرة، ورمال صحراوية عميقة، حتى أنَّ القوات الحكومية وما يسمى بمقاتلي تنظيم داعش لا يقفون في طريق توصيل الشحنات لخطورته.
ولكن في هذه المرة، كان من المُقرَّر أن تكون شحنته حمولةً بشرية. إذ أراد تحالف قوات سوريا الديمقراطية، الذي يضم مقاتلين أكراداً وعرباً معارضين لتنظيم داعش، منه أن يقود شاحنةً من المنتظر أنَّ تحمل مئات الأسر النازحة بسبب القتال من بلدة الطبقة المُطلَّة على نهر الفرات إلى مخيمٍ آخر أبعد في ناحية الشمال.
وكان من المُقرَّر أن تستغرق هذه المهمة ست ساعات، كحدٍ أقصى، أو على الأقل هذا ما قيل له.
ولكن حين جهَّز هو وزملاؤه السائقون قافلة الشاحنات في وقتٍ مبكر من يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أدركوا أنَّهم تعرَّضوا للكذب، واكتشفوا أن المهمة لن تستغرق 6 ساعات، بل 3 أيام من القيادة الشاقة، وشحن حمولةٍ قاتلة تضم مئات من مقاتلي تنظيم داعش وأسرهم وأطناناً من الأسلحة والذخائر.
ووُعِد أبو فوزي وعشرات السائقين الآخرين بالحصول على آلاف الدولارات لأداء هذه المهمة، شريطة أن تظل سراً.
وتمَّت الصفقة التي تقتضي السماح لمقاتلي تنظيم داعش بالخروج من الرقة، التي أعلنوها عاصمةً للخلافة بحكم الأمر الواقع، بترتيبٍ من مسؤولين محليين.
وجاء ذلك بعد 4 أشهر من القتال الذي ترك المدينة مُدمَّرةً تماماً وشبه خالية من الناس. ومن شأن ذلك أن يُنقذ أرواحاً، ويُنهي القتال. إذ ستُنقَذ حياة المقاتلين العرب والأكراد والمقاتلين الآخرين المعارضين لداعش.
ولكنَّ ذلك مكَّنَ أيضاً مئات من تنظيم داعش من الفرار من المدينة. وفي الوقت نفسه، لم يكن التحالف الخاضع لقيادةٍ أميركية – بريطانية، ولا قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف، يريدان الاعتراف بدورهما في الصفقة.
فهل أطلقت الصفقة، التي كانت بمثابة سر الرقة القذر، تهديداً على العالم الخارجي في ظل تمكين مُسلَّحين من الانتشار في جميع أنحاء سوريا وخارجها؟
صحيحٌ أنَّ جهوداً كبيرة بُذلت لإخفاء هذا السر عن العالم. ولكنَّ هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي تحدَّثت إلى عشراتٍ من الأشخاص الذين كانوا على متن الشاحنات، أو لاحظوها، وإلى الرجال الذين تفاوضوا على الصفقة.

خارج المدينة
في ساحةٍ مُشحَّمة بمدينة الطبقة، وتحت نخلة تمرٍ، كان هناك ثلاثة صبية مشغولون بالعمل في إصلاح مُحرِّك شاحنة، ومُغطون ببقعٍ من زيت المحركات. فيما انتصب شعرُهم الأسود المُشحَّم.
وكانت مجموعةٌ من السائقين توجد بالقرب منهم يتوسطهم أبوفوزي الذي كان يرتدي معطفاً أحمر ساطعاً يطابق لون شاحنته المُحبَّبة إليه ذات الـ18 عجلة.
كان من الواضح أنَّه شيخ السائقين، وسرعان ما عَرَضَ علينا شاياً وسجائر. وفي البداية، قال إنَّه لا يريد التحدُّث ولكن سرعان ما غيَّر رأيه.
لقد كان غاضباً هو وبقية السائقين. إذ مرَّت أسابيع منذ أن عرَّضوا حياتهم للخطر في رحلةٍ أتلفت بعض المحركات وكسرت بعض محاور السيارات، ولم يتقاضوا أجورهم إلى الآن. وقال إنَّها كانت بمثابة رحلةٍ إلى الحجيم.
وأضاف: “كنَّا خائفين منذ لحظة دخولنا الرقة. كان من المفترض أن ندخلها مع قوات سوريا الديمقراطية، ولكننا ذهبنا وحدنا. وفور دخولنا، شاهدنا مقاتلين من تنظيم داعش حاملين أسلحتهم ومرتدين أحزمتهم الانتحارية. لقد نصبوا كميناً مفخخاً حول شاحناتنا. وإذا حدث أي خطأ في الصفقة، لفجَّروا القافلة بأكملها. حتى أطفالهم ونساءهم كانوا يرتدون أحزمة انتحارية”.